«الفلانتين» عندنا دباديب وورد أحمر، لكن للأسف الدباديب لا تجعل الحب يدب فى قلوبنا ولا الورد الأحمر يتجاوز عطره أنوفنا إلى قلوبنا، لماذا نخاف من الحب؟ لماذا لا نتقن فن الحب؟ لأن الحب يحتاج إلى الحرية، والطيور لا تغرد أبداً فى الكهوف، والمجتمعات الديكتاتورية تغتال الحب، والمواطن المقموع يجهل الحب، ونحن فى مجتمعاتنا نمثل الحب ولا نحياه، ونرتدى قناعاً أثناء ممارسته ونزيّف مشاعرنا لنُرضى الآخرين ونتكيف مع السائد، ونظل ننتظر الحب ولكننا فى الحقيقة ننتظر «جودو» البطل الغائب فى مسرحية «العبث» الشهيرة، ولا نعرف أن الحب ليس للتفكر والتنظير ولكنه للخوض فيه والممارسة من خلاله، كما يقول «بوسكاليا» الذى قرر أن يقرر «كورس» فى الحب فى إحدى جامعات أمريكا، والحب شىء مختلف تماماً عن الاحتياج ويتم تعلمه منذ الطفولة، فمثلاً إذا كانت الأسرة من تلك الأسر التى تجاهر بعواطفها فسوف يتم تدعيم الطفل باستجابة إيجابية عندما يعبّر عن هذا، فيقفز الطفل إلى حضن أبيه ويزرع قبلة على فمه، قبلة خصبة حافلة بالحيوية، فيرد الأب عليها بود وفرح، وهنا تبدأ أول رسالة تعليمية عن الحب، أما إذا حمل الأب الطفل بعيداً عنه ناهراً إياه قائلاً: «الرجال الكبار لا يحضن بعضهم البعض!» فبالطبع ستؤدى مثل تلك الرسالة السابقة إلى خلق شخص من الممكن أن يكون مقبولاً اجتماعياً لكنه -وللأسف- منبوذ وأخرس عاطفياً، وهذا القبول الاجتماعى المزعوم الذى يسعى إليه الجميع يؤكد أن الحب صناعة اجتماعية تشكلها للأسف الثقافة السائدة وليست الذات الصادقة، ومن الأمثلة الثقافية الصارخة التى تشكل الحب مثال اللغة، فاللغة لها مضمون عقلى وعاطفى، وكلمة مثل «حب» حمّلتها اللغة فى ثقافتنا معنى الإثم والذنب والخطيئة، وكلنا يتذكر الناشر الذى تطوّع ليعلمنا الفضيلة ويحذف من قصص إحسان عبدالقدوس كلمات الحب، ولأن إحسان عبدالقدوس حِرْفته الحب فقد ظلموه من قبل وعوقب حين كان يقول فى ختام حديثه «تصبحوا على حب»، وذلك لأن هذه العبارة فى نظر المجتمع عيب وغلط وحرام. من أين نتعلم الحب؟ نحن نتعلم الحب من الأغانى والسينما والشعر والإعلانات... إلخ. إننا وُلدنا وعشنا وشاهدنا نموذج الحب وكتالوج العواطف وباترون المشاعر، ولكننا للأسف لم نشاهد ولم نعش الحب نفسه، والنتيجة أن كل اثنين أحبا اكتشفا فى نهاية العلاقة أنهما تحولا إلى جثتين. هناك درجات للحب؟.. نعم، هناك أنواع للحب؟.. لا. ودرجات الحب يحددها التعبير عن الحب، ويجب ألا نفترض أننا يمكن أن ندرك الحب ونشعر به بدون تعبير، فنحن نسينا الطبطبة والتربيت على الكتف والحضن، كل هذا من أجل شىء تافه أو بالأصح خوفاً من شىء تافه، وهو ألا يفهمنا الآخرون خطأ! والسؤال الذى يفرض نفسه: هل هذا الخوف يساوى أن ندخل جحورنا بهذا الشكل المفزع؟ علينا أن نطبق قول «بوسكاليا» الذى قرر تدريس الحب للإجابة عن هذا السؤال، فهو يقول: «الحب فى حاجة للتعبير عنه جسدياً». على المحب أن يقول لنفسه من آن لآخر إننى أحب لأننى يجب أن أحب، لأنى أريده، أنا أحب من أجل نفسى لا من أجل الآخرين، إننى أحب من أجل ما يُكسبنى الحب من مرح وبهجة، فإذا دعمنى الآخرون فسيكون ذلك طيباً، لأننى أريد أن أحب، ولنستمع إلى تلك الأغنية اليابانية التى تقول: أما وقد احترقت صومعة غلالى حتى سُويت بالأرض فإنى أستطيع الآن أن أرى القمر!!